بفضل التكنولوجيا كل شيء يمكن أن يتم عن بعد، حتى في عالم التلفزيون والإعلام الرقمي، أصبح من الممكن أن يقوم عدة أشخاص بعمليات التحرير والمونتاج لنفس الفيديو وفي نفس الوقت من أي مكان في العالم.
“هذا التقرير تم إعداده في ثلاث ولايات مختلفة، حيث كانت المذيعة في نيويورك والمنتج في واشنطن والمونتير في كاليفورنيا”.. كان هذا ما أخبرني به صحفي يعمل في مؤسسة إعلامية مرموقة عن تقرير ديجيتال يحتوي على صوت وصورة وإنفوغرافيك وموسيقى، معد للبث عبر مواقع التواصل ويصلح للبث التلفزيوني أيضاً. اللافت في الأمر أن الصحفيين الثلاثة يعملون من بيوتهم منذ تفشي فيروس كورونا.
وتكررت أمامنا ونحن نجلس في بيوتنا عملاً بنظام الحجر الصحي أو التباعد الاجتماعي؛ على شاشات التلفزيون صور المعلقين والمحللين وحتى المراسلين الذين يظهرون على الشاشات وهم يعملون في بيوتهم وبين أطفالهم وأفراد عائلاتهم. الجدير بالملاحظة أن هذا الإنتاج الإعلامي لم يفقد أياً من قيمته الفنية أو المعلوماتية نتيجة عدم العمل من المكاتب المركزية المعتادة، كما أن هناك ميزة مهمة تتمثل في أن المنزل، أقل تلوثاً وأقل عرضة لانتشار الفيروسات والميكروبات والجراثيم، نظراً لعدم وجود آخرين يشاركونك المكان وبالتالي قلة في عدد الأيدي الملوثة التي تلمس الأسطح المختلفة، كمقابض الأبواب والحنفيات والجوارير وأواني صنع القهوة وغيرها، ويقلل بالتالي من خطر العدوى في حال إصابة أحد العاملين بمرض من الأمراض. كما أن العمل من المنزل يقلص تكلفة النفقات الجارية للمكتب، من كهرباء وصيانة وأجرة مكان وإمدادات المكاتب، وهي إيجابيات تدعونا للتساؤل: أليس من الأفضل الاستغناء عن المكاتب المركزية بالعمل من المنزل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؟
قد يقول قائل إن العمل من البيت يحرم الموظف من الجانب الاجتماعي والترفيهي الذي يحققه من خلال القرب الجسدي مع زملائه، أو مما يصادفه من تجارب في طريقه من وإلى العمل، والحقيقة أن العمل من البيت يوفر ساعتين من الزمن في المتوسط يومياً يقضيهما الموظف في المواصلات، بمعدل عشر ساعات في الأسبوع، أي ما يزيد قليلاً عن يوم عمل كامل. وعليه، فإن بالإمكان أن يعمل الموظف أربعة أيام بدلاً من خمسة، وتكون لديه بالتالي ثلاثة أيام كعطلة أسبوعية بدلاً من يومين، يستطيع خلالها ممارسة كل أنواع الترفيه والحياة الاجتماعية مع من يحب وكيفما يشتهي. والجدير بالذكر هنا أن تجربة العمل لأربعة أيام في الأسبوع أثبتت نجاعتها في البلدان التي طبقتها مثل فنلندا، حيث تبين أن إنتاجية الموظف قد زادت مقارنة بالعمل خمسة أيام!
لكن رغم أخذ كل هذه الأمور في الاعتبار، فقد أظهرت تجربة الإغلاق التي طبقتها كثير من بلدان العالم في إطار محاربتها لفيروس كوفيد-19؛ أن الكثير من العمل يمكن إنجازه من المنزل دون الحاجة للتواجد في المكتب. ومع انصراف الموظفين للعمل من بيوتهم هذه الأيام، سوف تدرك الشركات الخاصة بالذات القيمة الكبيرة للإقلال من حضور الموظفين إلى المكتب بشكل عام.
Comments